بشّار زيدان - بالجوّ:  أصدرت النجمة سميرة سعيد ألبومها المنتظر “عايزة أعيش”، وهو أول ألبوم تصدره منذ سبعة أعوام، والمفاجآت التي يضمّها أتت على قدر الانتظار و أكثر!… عند سماع الألبوم لأول مرّة تشعر و كأن عاصفة من الأفكار المجنونة هبّت وتحوّلت إلى ألبوم تحتاج معه للتركيز واستيعاب ما يجري. نعم، هذه هي سميرة سعيد التي لا تملّ من البحث عن الجديد، المختلف، المتطوّر، ولا تتوقّف عن تغيير جلدها وإعادة قولبة هويتها الموسيقية. 

في الألبوم قطبين مركزيين من التجديد. الأول يكمن في الموسيقى، إذ تخوض سميرة مع كل أغنية تجربة مختلفة، نمط موسيقي جديد، وتقدّم أنواع مختلفة من الأغاني المستوحاة من أنماط غربية حديثة وكلاسيكية، وتقدّمها للموسيقى العربية بشكل جريء لم يسبقها عليه أحد. 

“هوا هوا” تشكّل أحدث شكل من أشكال أغنية الـ”Pop” الخاصة بسميرة سعيد، بما فيها من حيويّة وطاقة، دلع وجرأة في الأداء. “عايزة اعيش” تحمل حالة حسيّة فريدة تعبّر عن الرغبة في الحياة وكسر قيود الملل والاكتئاب، في نمط موسيقى الـ”House”، و تتنقل فيها سميرة من طبقات صوتية منخفضة جداً إلى طبقات مرتفعة بأداءٍ سلس. “يا لطيف” من أكثر أغاني الألبوم قدرة على تحقيق الرواج الجماهيري، وهي تشكّل إعادة تصميم للأغنية المصرية الراقصة، إذ تمت صياغة هذا اللون الموسيقي من جديد بعناصر حديثة لا تجرؤ على تقديمها إلا سميرة سعيد. “ما حصلش حاجة” فيها سميرة المشاكسة التي لم تكسرها نهاية قصّة حب، ضمن قالب موسيقي لاتيني يتنقل من وتيرة سريعة إلى وتيرة بطيئة تعكس تناقض المشاعر التي تراودها بين الحنين للحب المكسور والمضي قدماً في حياتها. 

في كافّة أغاني الألبوم أيضاً يبدو جلياً القطب الثاني من التجديد: الكلمات. لم تكتف سميرة سعيد بالبحث عن المواضيع الجديدة، أو عن عناوين مميزة لأغانيها، بل يبدو أنها أرادت وضع قاموس الأغاني جانباً وإيجاد قاموس جديد بالكامل من الكلمات التي لم يغنيها أحد من قبل، وكأنها تقول لغيرها من النجوم “كفاكم تكراراً، إليكم كلمات جديدة لتغنّوها”. 

في معظم الأغاني شكّل هذا العامل ميزة جميلة تُحسب لسميرة سعيد، إلا أنها قد تكون ذهبت لأبعد مما ينبغي في أغنية “إنسانة مسؤولة”، ليس لكونها أنثوية بشدّة، إلا أن مفردات الأغنية أتت على درجة كبيرة من “غير المعتاد” وكذلك أتت الحالة الموسيقية للأغنية، وفي بعض المقاطع لم يكن هناك تناسق وانسياب بين الجمل الشعرية والجمل اللحنية. 

الجانب الرومانسي العاطفي له حصّة كبيرة في الألبوم. “ما اضمنش نفسي” تعكس حالة من الهدوء نابع من اعتماد التوزيع على عناصر قليلة فيُبرز أداء سميرة المبسّط للأغنية والوتريات التي ترافقها، و يجعلها تبدو كنسخة “acoustic” من الأغنية. “إحتمال وارد” تضم موضوع جديد في كلماتها، تُشبع حاجة المستمع للجانب الدرامي من الألبوم، إلى جانب أغنية  “ما عنديش وقت” و“أيوة تغيّرت” التي تذكّرنا بكلاسيكيات سميرة سعيد. “أوقات كتير” فيها حالة رومانسية خالصة تبعث شعوراً بالارتياح لدى المستمع، وهي من الأغاني القليلة التي تغمر بها سميرة الرجل بالحب واللطف!… “جرالك إيه” من الأغاني المميزة جداً في الألبوم، إذ أن موضوعها مختلف ومكتوب بطريقة ذكية، وقد تم تقديمه بإطار موسيقي جميل. وتختتم سميرة الألبوم مع أغنية رومانسية أيضاً هي “حب”.

التجديد والتطوير هي سمات باتت من أساسيات سميرة سعيد في كل عمل تقدّمه، و في ألبوم “عايزة أعيش” أتت جرأة سميرة أكبر من المعتاد، فوضعت مساحة كبيرة للتجربة، إذ أنها تجرّب أنماط موسيقية وحالات عاطفية مختلفة، وتختبر قدرة الموسيقى العربية على استيعاب هذه التجارب التي تختلف كلياً عن السائد في الساحة الغنائية.  حيّز المجازفة كبير جداً في هذا الألبوم، إلا أن سميرة فعلت ذلك بذكاء، فهناك عدد من الأغاني القادرة على جذب المستمع بشكل فوري، حيث تشدّه للألبوم كي يعيش الحالة الموسيقية بأكملها. و من جديد تنجح سميرة سعيد بتقديم عمل غنيّ بالأفكار الجديدة التي ستشكّل مرجعيّة موسيقية يستوحي منها الكثيرين أغانيهم في الأعوام المقبلة.